الخميس، 14 نوفمبر 2013

حوليات السينغال -1854-1885-(الحلقة الثانية)

امتعضت ملكة الوالو، اندتي يالا، ومواطنوها، من خبر تحطيم حي عزونه والنهب الذي تعرض له تندغه. وكانت الملكة حائرة أمام الموقف الذي عليها اتخاذه. ويبدو أنها، في مرحلة أولى، رفضت استقبال بعض اللاجئين من عزونه، لكن سرعان ما تغلبت الخشية منا على موقف الملكة الولفية، فانحازت، تحت ضغط تراكمات من طغيان البيظان، إلى جانب من ظلموها على مر التاريخ رغم أننا نسعى بجدية -هذه المرة- لتخليصها منهم.

وكتب الوالي إلى كل زعماء المنطقة بأنه قرر طرد البيظان من الضفة اليسرى، وقدم للملكة اندتي يالا عربونات كثيرة وعدة هدايا عساها هي وشعبها يفهمون مصالحهم في طرد البيظان ويصطفون إلى جانبنا، لكن دون جدوى، بل ان الوالو بدأ في إظهار عداوته لنا أكثر فأكثر.

في يوم 20 فبراير 1855، فكر الوالي في خطة يدفع بها قبائل البيظان إلى الوقوع في كمين عسكري ينصبه لهم الرائد دسماري القادم من ريتشالد تولد (ليصاطور)، بينما يهاجمهم فيلق الوالي القادم من سان الويس (اندر). فولج الوالي المنطقة عبر جسر ليبار وقريتي لامبسار وروس، وحصل النقيب بالهو على أمر بالتوجه فورا من دكانه إلى ريتشالد تولد مع فيلق من الخيّالة، في حين يقوم القارب البخاري بحمل بعض المجندين والمؤن عبر النهر. وقد فوجئ النقيب بالهو بكونه رأى في طريقه من دكانه إلى ريتشالد تولد مجموعات قبلية تحمل سلاحها وإن أقسمت بأنها لن تحارب فرنسا ما لم تبدأ فرنسا بمحاربتها. وعندما وصل إلى أعلي امبيلور وكر امباي أيقن أنه دخل وسط فخ حقيقي حيث التقى مجموعة من الفرسان المسلحين الذين يحيطون بفيلقه من كل صوب. وفي هذا الوضع المربك كان بالهو يفكر في أنسب الاتجاهات التي يمكن أن تشكل مخرجا جيدا له. فعاد أدراجه مناورا حتى وجد فسحة، غير أن الأعداء كانوا يرصدونه بتأهب كبير. ولما تراجع مع عناصره أكثر إلى الوراء وقعوا على غدير قرب النهر منعهم من الحركة فكانوا محاصرين في زاوية، فقرر أن ينزل من على فرسه ويُنزل عناصره ويؤخر -على الأقل- هذا المصير المسأوي الحتمي بإطلاق وابل كبير من الرصاص في كل الاتجاهات. وفي خضم الدخان الكثيف والطلقات النارية لاحظ النقيب أن اثنين من أفراده جرحا وأن الأعداء استولوا على حصان لأحد خيالته. وكانت المفاجأة السارة عندما طلع القارب البخاري فجأة وأطلق أعيرة من مدفعيته مبعدا الأعداء ومنقذا المجموعة التي كان مصيرها الهلاك أو الأسر. وهكذا نقل القارب المجموعة إلى ريتشالد تولد.


وبسبب هذا الحادث والمعلومات المتوفرة عن انتفاضة عامة في الوالو، قرر فيلق دسماري، الذي يفتقر لوسائل نقل مدفعيته، أن يقتصر عمله الهجومي على الأحياء المجاورة فأحرق قريتي خوما وامبيلور. وفيما وقعت هذه الأحداث قرب ريتشالد تولد، كان الوالي في الطريق مع حامية من 400 عنصر ومدفعين ثقيلين وبعض المدنيين من متطوعي سان الويس الذين تعودوا على مساعدة الوالي، لكن الوالي، عكسا للمرات السابقة، قال لهم بأن الحرب الدائرة حاليا في الوالو لن تكون موضع مزايدات كما كانوا يفعلون، وأنه لن يسمح لهم بالنقاش خلال الحملة العسكرية، وأن عليهم الرجوع إلى سان الويس أو التقيد بهذه التعليمات. وعندما أنذرناهم جديا وجدناهم مطيعين جيدا ومتخلقين بأخلاق الجنود، بل قدموا خدمات جليلة خلال عمليات الغزو والنهب.


تجاوزت مجموعة الوالي جسر ليبار المبني حديثا وأمضت المقيل قرب قريته. وقد كان المسير بطيئا بسبب المؤن والأسلحة والأثقال المحمولة على ثيران وحمير غير متعودة على مثل هذه الأحمال. في اليوم الثاني وصلنا لامبسار، وكنا نقابل جسر ادياودن الذي يوصلنا مباشرة إلى الوالو تماما كما يوصلنا جسر ليبار إلى كايور. وفي هذا اليوم تبين أن وسائل نقلنا أدت بنا إلى الكثير من المتاعب وأنه لم يعد من الممكن أن نتابع بهذه الطريقة، غير أن التخلي عن الحملة العسكرية التي أعلنا عنها سيعطي انطباعا سيئا عنا. كان علينا أن نتخذ موقفا حازما. هكذا قررنا التخلي عن كل البضائع والمؤن والأقمشة غير الضرورية ليخف المسير. وتابعنا رحلتنا. وجدنا قريتي كلين وروس خاليتين من أي حياة رغم رسائل الطمأنة التي بعث بها الوالي إلى بكيو (زعيم المنطقة). لم نقم بأي عمل عدائي؛ لقد احترمنا القريتين. تجاوزنا الكثير من البحيرات بحيث كانت المياه تصل تارة أحزمة الرجال.


في يوم 25 فبراير، عند الصباح الباكر، وعلى مشارف قرية ديوبولدو، وجدنا أنفسنا أمام جيش من البيظان والوالو، فهاجمونا قرب غابة قريبة من اندير. كانت الأرضية مغطاة بالأشجار والنباتات، وكان بعض فرسان البيظان كامنين لنا بين الأعشاب، بينما كانت مجموعة أخرى من فرسان البيظان تحاول الإحاطة بنا من اليسار. أرسلنا حامية الكارابين، بقيادة بينوا مع بعض الرماة والمتطوعين، إلى الأمام، وأطلقنا قذيفتين كبيرتين، ثم قام المجندون بالهجوم على الرجال الكامنين مستخدمين المُدي، وانسحب البيظان هاربين وبعض عناصرنا يتتبعونهم، فيما أحصينا قرابة 30 جثة بقيت في الميدان، ولاحظنا أن من بين الفارين عدة جرحى. ولم نخسر في هذه المعركة إلا ثلاثة أشخاص: رقيب من المدفعية وخيال ومتطوع بدا أنهم ماتوا في الاشتباك، وجرح ثلاثة من عناصرنا من بينهم صاحب المدفع الثقيل الفرنسي كوديرك الذي أصابته رصاصة في العين. تابعت المجموعة مسيرها ووصلت إلى اندير بعد أن أحرقت قريتي دخليفه ونايري التين وجدناهما خاليتين. كانت هذه الرحلة متعبة لأن العطش كاد يستبد بنا. وقد نهب المتطوعون كلا من اندير وتمي. أما محاربو الوالو، الذين غادروا في الصباح حاملين معهم الحبال بنية شد وثاق أسرانا، فقد عادوا إلى حيهم ليحملوا الملكة والنساء وهم يرتعدون من الخوف منا ويرددون: "من كنا نقاتل ليسوا بشرا، إنهم جن". لقد كان متطوعو سان الويس شجعانا بما فيه الكفاية، فصاحب الراية آمادو صار حارب بحماس منقطع. وأما شيخ اندير وتلميذه فقد قتلتهما دورية منا التقت بهما في مكان قريب.


في يوم 26 غادرنا باتجاه ديكتين، وفي الطريق اشتبكنا بفرسان مسلحين يقودهم ماروسو (زوج الملكة). قتلنا 5 من هؤلاء الفرسان وأخذنا بعض خيولهم التي كان من بينها فرس ماروسو نفسه. وقد كان المتطوع علي صل مميزا خلال هذا الاشتباك الذي أسرنا فيه قرابة 20 من قبيلة أولاد دمان.



 سافرنا يوم 27 من ديكتن إلى ريتشالد تولد. في يوم 1 مارس، وبغية الثأر من سكان اتويسي الذين خانوا عهدنا، قمنا بإشعال قرى اندومبو وانتياكو وكر امباي إلخ. كان بإمكاننا أن نضع اليد على سكان هذه القرى، غير أن الصدفة أنقذتهم إذ أخذنا مسارا أطول فعلموا بمقدمنا وهربوا محتمين بالغابات فلم نأسر منهم غير قرابة العشرين وإن زرعنا الكثير من الرعب في هؤلاء الأشقياء الذين جرهم إلى الحرب زعماء زنوج باعوا أنفسهم للبيظان. وكانت محصلة 10 أيام من الغنيمة: 2000 ثور، 30 معزاة، 50 حمارا، الكثير من النعاج، 150 سجينا، قرابة 100 قتيل من العدو، وإحراق 25 قرية، ولم ينخسر إلا 3 قتلى و8 جرحى و3 خيول مفقودة. وقد لجأت ملكة الوالو إلى كايور مع بعض البيظان. أما سكان ادجوس فأتوا إلينا معبرين عن خضوعهم التام لسلطتنا.


كانت الملكة لحد الساعة لاجئة في كايور، فيما تجمعت بقايا جيش الوالو بموضع يدعى دياغان وأقسم الرجال أنهم لن يبرحوه إلا وهم قتلى كلهم. وكان من الضروري أن نعجل المسير إليهم لمقاتلتهم.
 في يوم 15 غادرت إحدى الكتائب ريتشالد تولد، وفي يوم 17، بعد أن اجتزنا اندير، أحرقنا قرية سنانت حيث اغتيل أحد المتعاونين مع فرنسا بعيد غزونا لعزونه.
في يوم 18، بعد أن أحرقنا قريتي نيت وفوس، وصلنا دياكان غير أن جيش العدو أخلاها قبل وصولنا بقليل وفر داخل غابات كايور. تابعنا رحلتنا بعد أن أحرقنا قرى بنيي وانجاك وآرام ودياران واندياندي، ولم نمسس بأذى قرية إبا التي يسكنها أناس مسالمون. وفي يوم 19 حطمنا قرية لامباي المنتفضة ضدنا، ومررنا بسلام على قرى ديوكول وموي ومرينا التي لم تعط أية إشارة عداوة.
وفي هذه الأثناء اقترح الوالي على دليلنا يورو ادياو (أحد النبلاء) أن يعينه زعيما للوالو، غير أنه رفض الاقتراح واقترح مكانه أخاه فارا بندا اللاجئ في كايور والذي قدم لنا خدمات جليلة وقاتل في صفوفنا بشجاعة فائقة في فترة والي السينغال كارنيل سنة 1833. وعندما علم فارا بالاقتراح قبله فورا وبدأ في خدمتنا بإخلاص، بل قاد حملة شرسة ضد البيظان وأقنع الكثير من قرى الوالو بالإلتحاق بنا. (يتتابع)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق