الخميس، 14 نوفمبر 2013

حوليات السينغال -1854-1885-(الحلقة الاولى)

كتبت "حوليات السينغال" في الفقرات المعنونة بـ"المعاهدات الموقعة مع السكان الأصليين" ما نصه:


"من المفيد أن نعرف بدقة، وبشيء من التفصيل الذي يبدو للوهلة الأولى، غير مجد، أين تتحرك أحياء البيظان، وأين يقيمون عادة، وما الفترات التي يعبرون فيها النهر، ومتى هجمنا عليهم، وماذا غنمنا منهم، وكيف نغزوهم عادة، وكيف نتجنب الخسارة عند غزوهم لنا، وإلى أي حد يشكلون خطرا علينا.


حتى سنة 1854 لم نكن نحتل من السينغال إلا مناطق محدودة جدا، بل إن أقوى القادة المحليين يعتبرون أننا غارمون لهم. كنا ندفع لقائد صغير من الزنوج مالا عن الأرض التي نقيم عليها في سان الويس. كان الولوف يسمون هذه الضريبة "آمكبل"، بينما يسميها البيظان "الجزية"، وهي كلمة عربية تعني المبلغ الذي يدفعه الكفار أو المسيحيون أو اليهود للمسلمين مقابل السلام. اليوم تغيرت الأمور وأصبحنا نملك أرضا بطول الجزائر ممتدة من سان الويس إلى نهر النيجر.


الآن على كل إداري فرنسي أن يتعامل بحزم مع السكان المحليين بحيث يضمن الأمن والاستقرار لكي يتمكنوا من العمل والإنتاج لصالح محطاتنا التجارية على طول المحيط والنهر. وبما أن السكان متنوعون عرقيا ودينيا فإن علينا أن نتركهم يحلون ويسيرون بعض أمورهم بأنفسهم. ويجب أن نتابع بدقة قوادهم وزعماءهم وأن لا نقبل منهم التعامل بعنف أو بغير إنصاف مع السكان. إن علينا أن نفرض قانوننا.


في سنة 1851 اشتكى التجار المحليون للإدارة الفرنسية من الوضعية غير الرحيمة التي يعيشونها بفعل الهجمات والنهب الذي يتعرضون له باستمرار على يد بعض البيظان والولوف والتكارير. وقال التجار في رسالتهم ان التجارة ستعاني جدا إن لم يضع الفرنسيون حدا لهذه الفوضى. وطالبوا خاصة بإلغاء محطات التوزيع المفروضة على باعة العلك تحت رقابة زعماء البيظان وفي ظروف جد مهينة، واستبدال هذه المحطات بمؤسسات ثابتة في دكانه وبودور حيث توجد لنا حاميات عسكرية. وبسبب هذه الرسالة، وتحديدا في يوم 18 مارس 1854، انتقل والي السينغال،النقيب البحري ابروتيت، من سان الويس (اندر)، مع كل مرافقيه وعماله وحاشيته، إلى بودور حيث كنا ننتظر مقاومة كبيرة من قبل التكارير، إلا أننا -عكسا لذلك- وجدناها خالية. وكان علينا أن نثأر من التكارير الذين اختطفوا، أيام بناء المركز، فرنسيا كان يمارس هواية الصيد غير بعيد من مكان الفرقة العسكرية وكتبوا للوالي انهم سيقتلون هذا الضابط عندما تحاول فرنسا الهجوم عليهم. رغم ذلك هجمنا على حيهم بمنطقة جنمار حيث استخدمنا 600 مجند، وقد اكتشفنا خلال المعركة أن التكارير أفرغوا الحي قبل مجيئنا من النساء والأطفال ودافع الرجال باسماتة عن حوزتهم قبل أن يفروا تحت وابل من الرصاص الذي أشعل جل الأكواخ، وكانت خسارتنا 175 رجلا ما بين ميت وجريح. وبالرغم من هذا الهجوم، الذي يعتبر ردا على رسالة التجار، فقد بعث التجار برسالة أخرى طالبوا فيها بإرسال إداريين فرنسيين يعرفون المنطقة جيدا ويعرفون عادات الزنوج والبيظان، وإلا فإن الإدارة الفرنسية لن تتمكن من السيطرة على الوضع. لهذه الأسباب قيم بتدخلات حثيثة لتعيين السيد فيدرب محافظا للسينغال، غير أن إلغاء الإكرامات والهدايا أغضب البيظان؛ فمحمد لحبيب، ملك الترارزه، الذي بعثنا له سنة 1850 وفدا يطلب السلام، تعوّد أن يقول بأنه سيصلي صلاة المسلمين في كنيسة سان الويس مباشرة بعد أول ما يوحي بأن الفرنسيين أداروا الظهر لتعهداتهم. كما أن قائد عزونه، محمد اعلي، يتبجح بأنه سيحتل المدينة برجالات قبيلته وحدها، وأنه لا يحتاج إلى سند.


في سنة 1854 كتب الوزير إلى والي السينغال ما نصه: "يجب أن نملي إرادتنا على زعماء البيظان خاصة في ما يتعلق بتجارة العلك. ويجب إلغاء المحطات واستخدام القوة إذا لم تنجح المبادرات السلمية. ويجب أن نلغي كل ضريبة أو غرامة كنا ندفعها للبيظان على ضفة النهر، يجب أن نكون أصحاب الكلمة على النهر كله. يجب أن ننتزع الوالو تماما ونهائيا من أيدي الترارزه وأن نحمي المزارعين على الضفة اليسرى للنهر من جبروت البيظان. أخيرا يجب تطبيق هذه التعليمات بحذافرها.


بعد درس قوي تلقيناه يوم 15 يناير 1855، في قرية باكيل التي فر منها كل جنودنا السود، بدأ الوالي الجديد بتنفيذ التعليمات الوزارية وبدأ أولا بمنطقة الوالو. حينها كانت قبائل الترارزه، خاصة تغرجنت وأولاد آكشار وأولاد بنيوك وأولاد البوعليّه قد اجتازت النهر باتجاه الضفة اليسرى بخيامها وقطعانها، وبدأت، بالرغم من المعاهدات القديمة، بغزو القرى. وبما أن هذه القبائل أصبحت كلها جنوب النهر فقد كان من السهل تطويقهم من قبل حامية سان الويس والقوارب البخارية الموجودة لدى الإدارة الفرنسية بالمدينة. لم يكن من المستساغ أن ننتظر عودة ملك الترارزه الذي كان في جولة داخلية ونطلب منه إخلاء الوالو. لقد كان صاحب أنفة وكان قويا بحيث لا يسيطر على الوالو فحسب، بل أيضا كان يفعل ما يشاء في ديمار وجولوف وكايور وحتى في لبراكنه. وملكة الولو نفسها، اندتي يالا، رغم أنها لم تكن إلا خادمة محمد لحبيب وابنه اعلي (إبن أختها)، تجرأت على أن تكتب للوالي في بدايات 1855، أن عليه أن ينسحب من جزر روك واديامبور واتيونك القريبة من سان الويس. لم يبق أمام الوالي إذن إلا القيام بكل ما من شأنه تنفيذ تعليمات الوزير، فبدأ بالهجوم على البيظان في الوالو. وللأسف قام شمس (زعيم إدولحاج)، الذي كان موجودا بسان الويس في إطار البحث عن الإصلاحات التي يطلبها تجار البيظان منذ سنوات، بإبلاغ البيظان أن الفرنسيين سيهاجمون الوالو وأن عليهم الحذر، فتوغلت بعض القبائل التروزية بعيدا داخل الوالو واجتاز بعضها نحو الضفة اليمنى. عزونه وحدهم لم يتركوا مواقعهم. إن مجرد إسم هذه القبيلة يجعل كل سكان الوالو والكايور واديولوف يرتجفون خوفا. لم تكن عزونه تتصور أنه بإمكاننا مجرد التفكير في مهاجمتها.


في يوم 15 فبراير 1855 تحرك فيلق من 50 مجندا من فرقة بودور بقيادة الضابط دسماري، وغادر 50 آخرون منطقة دكانه في الثانية بعد منتصف الليل بقيادة النقيب بلهو، وغادر الوالي سان الويس بفرقة من المدفعية في الصباح الباكر بعد تمويهات كثيرة خوفا من اكتشاف الهجوم المرتقب. وفي الليلة الموالية اقترب العساكر من حي عزونه المكون من حوالي 150 خيمه، لكن النساء اللواتي كن يسهرن على طحن الحبوب سمعن لجبتنا فأخبرن رجال الحي الذين حزموا أمرهم على الفرار تاركين وراءهم بضاعتهم وبعض خيولهم وحميرهم، وكما كان متوقعا وقعوا في فخ الفيلق القادم من دكانه فقتل منهم 6 أو 7 أشخاص وغنمنا منهم 700 ثور وألقى القبض على 67 شخصا جلهم نساء وأطفال، وقام متطوعو سان الويس بنهب الحي وإشعال الخيام بحيث أن ساعتين كانتا كافيتين ليمحى كل أثر لحي هذه القبيلة التي تـُخشى صولتها. بعدها توجه الجنود إلى ريشالتولد. وبما أن السكان كانوا يخشون نقصا كبيرا في اللحوم والألبان، كما هي العادة عندما تقوم حرب بين فرنسا والبيظان، فقد طلب الوالي فيديرب من فرقة عسكرية أن تتجه إلى جزيرة روب قرب سان الويس لتنتزع وتجلب قطعانا من عند قبيلة تندغه الذين كانوا مصدر سان الويس من اللحم واللبن، وقد تمكنت الفرقة من استقدام 600 بقرة مما شكل فرحة عارمة لسكان المدينة.


ويبدو أن ملكة الوالو، اندتي يالا، لم تقبل، في الوهلة الأولى، لجوء بعض عزونه إلى حيها، لكنها في النهاية اختارت الاصطفاف إلى جانب هؤلاء البيظان الذين ما انفكوا يظلمون أبناء جلدتها. ورغم أن الوالي كتب إلى الملكة وبعث إليها بالإكرامات والهدايا فإنها لم تقبل بالانحياز إلينا باعتبارنا مخلصين لها ولذويها من تجبر البيظان... يتتابع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق