أجــرى
موقــع (حراطين دوت كوم) مقابلة مع الناشط الحقوقي؛ هنــون ولد أمبارك ديكــو،
المعروف بديكو هنــون ونظرا للمعلومات الثريـة والتحليــلات السخيــة حول مواطن
الاسترقاق في موريتانيا فقـد إرتأينا تعريبها كاملة ثم إعادة نشرها.
في ثنــايا هذه
المقابلة؛ أراهن من جديد، على تعاطف القـراء مــع آلام العبيد حين يهمون بفضح ما
يطالهم من ممارسات باتت "تخجل كل الموريتانيين"، ولــم يعد الضحايا
يجدون حرجا في الكشف عنها والإبلاغ عما يعانون منه.. وقــد أعدنا عنونته ليصير
كالتــالي: (أنا وأسيادي).
(أنا
وأسيادي) هو مجرد جزء من حكاية حول معانات المحاوِرِ مع ملاك الرقيق من مختلف
الإثنيات والمكــونات الإجتماعية..، السيد ديكو هنــون الذي تفتحت عيناه ضمن عوالم
العبودية والدونية على أساس طبقي، يخصص هذا الحيــز للحديث باستفاضة عن مواقف
حياتية حدثت لكل واحد منا أو هي معاشة لدى آخرين ، لكنها في جميع الحالات يصعب
نسيانها ، فالناشط الحقوقي اليوم، والذي رمت به الأقدار للعيش بالمهجــر (فرنسا
تحديــدا)، كان يمكن أن يصيــر مجرد عبد صغير لدى قبيلة أولاد أمبارك التي كانت تستعبد
والده (عمــار ولد أمبارك)، وبما أن العبودية تورث عن طريق الأم طبقا لأعراف
ومقادير مجتمعـات "السـادة" التقليدية، فقد كان في حكم المستساغ أن تورث
الأم وليــدها الطموح للخضوع والدونية لدى أسيادها من إثنيــة (الهالبــولار)
الزنجية.
يقول محاورنا
ديكو هنــون: " لا يوجد، في اعتقادي استرقاق أفضل من الآخر. فالغرض يبقى هو
نفسه إذلال واستبعاد للضحايا"، ليــس للعبيــد في "بلاد التكرور"،
و"أتراب البيظان" من رب رحيم، فهذه الأسرة الممتازة بتعــداد إثنيــاتـها،
لم ينجيها الهرب والتماس الحماية من إثنية (السوننــكي) الزنجية، ذات النظام الإقطــاعي
الشبيه بالهرم الاجتماعي لدى البيظـان..
هذه المقابلة
هي حكاية لتلك المأساة المتفردة بوصلاتها، والمكتوبة بلغــة العجز والبؤس والمذلة،
وهي كذلك، فإن القارئ سيبقى مضطرا لمتابعة مشــاهد الــ(FEED-BACK) القادمة من بؤس العبيد في الحقــول
والمراعي، والمتضمنة صورا حركية للأسيــاد وهــم يصــادرون "حصاد
المواسم" و"كسر النفوس" و"قمع الأحلام"، وسط رضــوخ
مستمر، وغريب لمجتمعات العبيد،.. لا احد يجرؤ على الرفض سوى أســرة عمار ولد
أمبارك التي هربت من سيـاط العبودية البيظانيــة لتسقط في شــراك الإقطــاعيــة
الزنجية.
لـم تكـن ملامـح ولا ثنـايــا وجه الأب قادرة على إخفاء بؤسه منذ النشأة لــدى
أســرة أسياده أهــل"سيدي أعل مولود" بالرغم من جهاده لإخفاء إنكسـاراته
أمــام أطفالــه،.. ولم تكن الأم أفضل حالا، ولا الأشجع حيال المواجهة، فحين لجــأ
إليها والــدها هربا من التصفيات العرقية 1989، كان مصير الجميع الطرد من ديـــار
(السوننــكي).
إذا كانت
ممارسات قبـــائل البيظــان (العرب-البربر) في هذا الحيز الجغرافي تمثــل إحدى
الحالات العصية على التشخيص الموصول بالرفض، فإن مرد ذلك إنما يظل كامنـا في تماهـي
ثنائية المحــرم بالمقــدس، وإنتاج الاثنين معا، لقانون إباحة استرقاق أبناء المجتمعات
الســوداء، أينما ثقفوا، فإن الإثنيات الســوداء تســاهم في إذكاء دونية أبناء
جلدتها، أو هي تتحمــل جزءا وافيا من المسؤولية.. في المقابلة كشف صريح عن مكامن
الألم وحديث لا مراء فيه لأحد المثقفين الداعين إلى إندلاع الثورة من صفوف
المجموعات المظلومة.
تعريب: عبيد
ولد إميجن
كاتب صحفي
حــــر
ديكـــو هنون
: أنا وأسيـــادي
أهلا ومرحبا،
هنون ولد عمار ولد أمبارك ديكو، هل يمكنك أن تقدم نفسك لقرائنا؟
أشكركم على إتاحة
الفرصة لي للتحدث بحرية في موقع http://www.haratine.com
أنا هنون ولد عمار ولد امبارك ديكو، والمعروف بديكو هنون، ولدت في مقاطعة ولد
ينجه التابعة لكيديماغا الولاية العاشرة بالجمهورية الإسلامية الموريتانية، ضمن عائلة
متواضعة جدا، أكملت دراستي الابتدائية بمدرسة (كوريــلاخا) وهي منشأة تم بناؤها من
قبل المهاجرين السوننكي بفرنسا، بعد ذلك أكملت دراستي بالثانوية الوطنية
بسيلبــابي، قبل أن أطالب بنقلي إلى أنواكشوط، حينها كان العقيد معاوية ولد سيد
أحمد الطايع قد بدأ مرحلة تصفية الزنوج من البلاد، ورفض الطلب..لكنه بفضل إصراري
التحقت بإعدادية الميناء قبل أن يتم في 1991 قبولي بالثانوية العربية بانواكشوط،
ولسوء الحظ لم أتمكن من إكمال دراستي بسبب انعدام الموارد المالية، لكن نظام
العقيد ولد الطايع قام باقتطاعي منحة دراسية تافهة هي 3330 أوقية (أقل من 10
يورو)، وكان بإمكاني الحصول عليها كل 3 أشهر حيث تسمح لي بشراء الدفاتر والأقلام
والكتب وبعض الملابس، مع بحثي الدائم لإيجاد عمل يناسبني؛ في البداية التحقت بوزارة الشؤون الخارجية والتعاون، بفضل
الأمين العام للوزارة السيد خطري ولد جدو، الذي كان يعاملني كعبــد لديه، سمحت لي
الوظيفة باللقاء بالعميد والديبلوماسي محمد يحي ولد سيرى، قبل أن يساعدني الحــظ
في العمل لدى شركة ELF-AQUITAINE وهي شركة فرنسية
متعددة الجنسيات.
وعلى الرغم من
مشـاق الحياة ومكابداتها، فأنا مقتنع بأن العبودية والعنصرية هي بمثابة الوباء الذي
يحول دون تحقيق موريتانيا للتقدم المنشود. لهذا السبب، قررت أن أساعد في مجهــودات مكافحة العنصرية والعبودية بموريتانيا..،
الدولة التي عانيت بنفسي فيها من كل القيود التي يتعرض لها العبيد. أعرف أن حالتي ليست
بالمعزولة، لأن الحكومة الموريتانية تمارس كل أنواع الضغوط لعرقلة تعليم أبناء
شريحة لحراطين. وهي ظاهرة متفشية في جميع القطاعات العمومية في موريتانيا.
2. كيف التحقت بمناهضي الاستـــرقاق؟، هل سبق وأن
عانيت من العبودية؟ وكيف أمضيت شبابك؟
لم ألتحق
بــالمناضلين ضد العبودية عن طريق الصدفة، فوالدي هو حرطاني في قبيلة أولاد
أمبارك، و أمي تنتمي إلى إثنية الفولان (الهالبولار)، عشت السخرية و الاحتقار بين
رفاقي ، ولم يفارقني ذلك الشعور وأنا بين أصدقائي في المدرسة وأيضا طيلة حياتي
اليومية،.. وكنت أشعر في قرارة نفسي بأنني شاب مجروح ويعاني من مشكلات نفسية إلى
درجة أنني كنت أشعر بالخجل من نفسي بحيث لا أريد الخروج مع الآخرين، وخصوصا لكوني
أنحدر من عائلة فقيرة بشكل مدقع،.. حاولت أن أفهم لماذا هذا العداء تجاهي دون أن
أجد جوابا شافيا! فقط عند وصولي إلى أنواكشوط،.. بدأت أستمع إلى الخطب وأتتبع
الحركات المهتمة بمناهضة العبودية، وعندها بدأت أفهم الكثير من الأمور وكان أول
شيء أبدؤ به هــو الانخراط إلى جانب المناضلين في حزب العمل من أجل التغيير (AC) الذي يقوده مسعود ولد بلخير، ثم
انضممت لاحقا، إلى منظمة نجدة العبيد التي يرأسها بوبكـر ولد مسعود، عنــدها كنت
قد فهمت حقا؛ أن الرق هو "حماقة" اخترعها الإنسان المعقـد، والغريب أن
الدين الإسلامي كان يشجع على تحرير الأرقاء إلا أن المشايخ الدينيين لم يكونوا
يتحدثون عن ذلك الجانب، بالتحديث في موريتانيا. و كــان باديا أن قضية العبودية قد
لفها الصمت، وإن بأشكال غير مفهومة، بل هي أقرب إلى "الأسطورة". هـذا
السبب، بالإضافة إلــى أسباب أخــرى، هو الذي دفعني اليوم لأن أغفر لأصدقائي، ولمعارفي الذين سببوا لي
يوما الألم أو الضرر، بالنسبة لي هؤلاء ليسوا على خطأ ولكنها الدولة الموريتانية،
الأقارب، الفقهاء الذين لم يؤدوا واجبهم
في مواجهة المواطن أو المسلم، فالجهل يمكنه أن يدفع الإنسان للتصرف وكأنه حيوان.
3. بودنا أن نذكر أن والدك الذي هو حرطاني في قبيلة أولاد أمبارك، وبأن والدتك التي تنحدر بدورها من الهالبولار، وبأنهما يحتلان وضعية متشابهة كونهما أرقاء في مجتمعيهما، هذه العضوية المزدوجة تمنحك نظرة أوسع حول الرق في المجتمع الموريتاني بمكونتيه البيظان والزنوج؟ هل يمكنك أن تتقــاسم مع القراء مضامين هذه النظرة؟
في الواقع،
أنا ضحية للرق لدى البيظان ولكن أيضا لدى الهالبولار، فوالدي الذي تم اضطهاده من
قبل عربي-بربري، مشهور لدى كل لحراطين في منطقة كيديماغا، ويتعلق الأمر ب"بمبا
ولد سيدي أعل مولود"، الذي يتخذ من قرية تسمى "أندوملي" التي تقع
بدورها بضع كلومترات من مقاطعة ولد ينجه، موئلا دائما، والذي كان يزورنا بين الفينة والأخرى وأحيانا
يقوم بإستدعاء والدي للمثول لديه وهو يحمل حصة السيد من محاصيل الدخن الذي نجنيه
نحن من حقولنا ومزارعنا، وفي بعض الحالات، يمكنه أن يقوم بإعطاء تلك المجهودات
للحيوانات. في البداية حاولت إقناع والدي بالابتعاد عن هذا الرجل ومنع دخوله إلى
المنزل، في المرات القادمة إذا كان ذلك ممكنا، وكان "بمبا ولد سيدي أعل مولود"
هذا نافذا ويملك تأثيــرا قويا خاصة على السلطات المحلية، وصل في بعض الأحيان أنه كان
قادرا على تغذية الصراعات المستمرة على الأراضي الخصبة بين قبائل لحراطين لكي يبقي
على مكانته كمرجع وحكم بين الجميع. يمكن لتلك الصراعات أن تؤدي إلى جرائم القتل،
وكمثال أورد حالة قرية "أنجابينا" التي تلاعب فيها بالجميع ثم راح يطالب
بجمع التبرعات من كل عائلة لكي يجـرى تسوية ودية مكنت القتلة من الإفلات من العقاب
بفعلتهم. كان الرجل يتصرف تحت أعين
السلطات وبتواطؤ مع الولاة والحكام بسيلبابي وولد ينجه تحديدا.
عندما أكون
بجانب والدتي الفولانية. فإن جدي وسيده
يعتبرون الأوائل الذين سكنوا قرية "التكتاكه صمبا كوما"، وكانوا رعاة،
ولم تكن هنالك مشاكل تذكر سوى أن جدي لا يستطيع أن يكون رئيسا للقرية أو إماما
لمسجدها، ولأن العادات المتحكمة تملي علينا أن يكون قائد القرية هو الأســن من بين
ساكنتها، وبما أن المرجع في ذلك يبقى العرف المجتمعي، فنحن ضمن طبقة تبقى غير
معنية، لأن العقلية المتفشية تجعلنا في حكم "المنبوذين" . بالإجمال، لا يمكننا
أن نمثل القرية مهما كان الحال، كان أخوالي مرغمين على الرضوخ لتلك التقاليد
المتوارثة واحترامها، هم فقط يخدمون أسيادهم، مجانا، خلال حفلات الزفاف، وموائد
المواليد "العقيقة" وكذلك في مواسم الاحتفالات الدينية. وفي المقابل،
يجوز لهؤلاء كعبيد، اصطحاب اللحوم واخذ الهدايا والأموال المعروضة عليهم، ويمكنهم
الزواج من دون موافقة السيـد، لكنهم لا يستطيعون الزواج مع أسر
"النبلاء". هذه التقاليد المتــوارثة لا تزال قائمة إلى يومنا هذا.
فرجال الإقطاع الهالبـولاريين يحرصون على الذود عن تلك التقاليد، بوفاء معهود، أما
السلطات المحلية فهي توفر لهم الدعم والمساندة في الإبقاء على ذلك الوضع.
4. ولادتك،
فيما يبدو جرتحين كان والداك يعيشان لدى السوننكي بعد فــرارهما من عبودية
البيظان. ماهي الاشياء التي تحتفظ بها عن مجتمع السوننكي؟
إنه مجتمع مغال في المحافظة إلى حد الجمود. ففي هذا المجتمع يمكن أن ترى أحياء خاصة بالعبيد (كوموو كاني)، ومساجد للعبيد (كومو كاني مسجد)، وفي بعض الأحيان تجد مقابر للعبيد. إنهم يشكلون ظاهرة فريدة في ولاية كيدي ماغا. لقد قرأت الكثير من الأشياء التي تقول أن السوننكي لا يدفنون العبيد في مقابر النبلاء، بودي أن أقدم هنا شهادة صريحة، وهي أن الحالة النادرة والمعروفة هي حالة (تاشوط براني)، والتي هي مسقط رأس سيدني سوخنا. الـذي سبق له وأن تولى عدة حقائب وزارية لسنين عديدة، كما شغل منصب الوزير الأمين العام في رئاسة الجمهورية الإسلامية الموريتانية، وكان المعيار الوحيد الذي وصل به إلى ذلك الموقع هو أنه مرابط (نبيل !).
إنه مجتمع مغال في المحافظة إلى حد الجمود. ففي هذا المجتمع يمكن أن ترى أحياء خاصة بالعبيد (كوموو كاني)، ومساجد للعبيد (كومو كاني مسجد)، وفي بعض الأحيان تجد مقابر للعبيد. إنهم يشكلون ظاهرة فريدة في ولاية كيدي ماغا. لقد قرأت الكثير من الأشياء التي تقول أن السوننكي لا يدفنون العبيد في مقابر النبلاء، بودي أن أقدم هنا شهادة صريحة، وهي أن الحالة النادرة والمعروفة هي حالة (تاشوط براني)، والتي هي مسقط رأس سيدني سوخنا. الـذي سبق له وأن تولى عدة حقائب وزارية لسنين عديدة، كما شغل منصب الوزير الأمين العام في رئاسة الجمهورية الإسلامية الموريتانية، وكان المعيار الوحيد الذي وصل به إلى ذلك الموقع هو أنه مرابط (نبيل !).
إذا في هذا المجتمع
السوننكي وجد والدي نفسه لاجئا سنين عديدة. كانت المعاملة التي يتعرض لها والــدي
شيئا ما، متميزة عما هو حاصل في مجتمعات السوننكي والهالبولار. كنا نطلق عليه لقب
عمـار "تاباتو" إلى يومنا هذا من أجل تخصيصه دون غيره، فتسمية
"تاباتو" تعني أنه عبد للبيظان "حرطاني"، وأنه سيبقى كذلك مدى
حياته، حيث لا يملك الروابط الكافية إلى داخل إثنيته الجديدة.
وهنالك ألقاب
وتسميات فريدة لدى المجموعتين: "آرانــي" عند الهالبولار،
و"ريانا" بالسوننكي، وهي تعني حرفيا الشخص الغريب أو القادم من خارج
المجموعة. ويمكن أن يطلب من هذا الشخص أن يغادر القرية في أي وقت لأنه ليس أصلا
منها. وهذا بالضبط هو ما حدث إبان أحداث 1989 لجدي من ناحية الأم؛ لقد جاء الرجل لرؤية
أحفاده الصغار، وكذلك إبنته وأخوها، فكان رد السوننــكي الذين اجتمعوا بشكل طارئ
ليقرروا على إثــره مطالبة جميع الهالبولار بمغادرة القرية، لأن البحث جار عنهم
بغية طردهم إلى السنغال أو إلى مالي...، ولأن والدي لم يكن ليتحمل ذلك فقد قرر
الاستقرار في مكان آخر، على أن لا يكون بعيـدا حتى لا ينقطع عن المناطــق الزراعية
الخصبة.
5. بحسب وجهة
نظرك، ما هي أبــرز الاختلافات بين الرق لــدى البيظــان والــرق عنــد الزنـوج-الموريتانييـن؟
لا يوجد، في
اعتقادي استرقاق أفضل من الآخر. فالغرض يبقى هو نفسه، إذلال واستبعاد للضحايا. لدى
البيظان ينظر إلى العبد كآلة أو حيوان، هو في نظر هؤلاء أقرب إلى الشقة المفروشة،
يمكن بيعها، إعارتها، يمكن قتله إذا حاول التمرد وهو يعمل بدون عائد مادي يذكر. بيـنما
العبيـد لدى الزنوج لا يحق لهم المشاركة في تسيير الشؤون الحياتية للمــدينة أو
القرية. لا يمكنهم الارتقاء لمنصب رئيس القرية، ولا الإمامة بها، ولا امتلاك الأرض
بغرض الزراعة إلا إذا كانت ضمن قــرية مكونة من العبيد فقط.
مشكلة العبودية
لدى الزنوج الموريتانيين، هي أن الضحايا يخجلون من فضح جلاديهم، وهنالك الكثير من
الأشياء التي تختبئ وراء ذلك الخوف أو الهــوان. الحقيقة هي أن الضحايا يتملكهم
الجبن حتى لا يفقدون مرة واحدة كل شيئ، وهذا يعني أنه إذا لم يطرأ لهؤلاء استلهام من
مسيرة لحراطين، فإن إرادتهم ستبقى مكبوتة لأنهم لا يخشون من أعمال قتل أو إنتقام
قد تجـري في إطار تصفية للحسابات، ولكن أيضا سيتم حرمانهم من الأراضي الصالحة
للزراعة، والتي تشكل المصدر الأول للدخل في منطقة الضفة اليمنى للنهر وهي أراض تعود ملكيتها للزنوج (الأحرار).. إنهم
يفضلون الانتظار بدلا من إتباع طريق المواجهة، حيث تقتضي الأعراف أن يتم إقصاء أو
إبعاد كل متمرد على تلك النظم الاجتماعية الصارمة، إذا المجتمعات الزنجية بموريتانيا تتميز
بتكريسها للطبقية الشديدة، بينما يمكن القول بأن المكونتين تشتركان في انه ضمن
العرب-البربر، و الزنوج-الموريتانيين يوجد أشخاص كانــوا قد ولدوا أرقاء وأنهم
سيموتون كذلك، مادامت الدولة الموريتانية لا تلتزم بتطبيق القانون ولا الإتفاقيات
الدولية التي سبق لها وأن صادقت عليها.
الإثباتات لا تزال أمامنا، فالبيظان إنما يجندون رجالات الإقطاع من الزنوج لفرض
الصمت على الضحايا وللإستمرار في حكم البلاد بقبضة من حديد. يمكننا أن نبقى طول
الوقت نتكلم حول العنصرية و العبودية لكن ذلك لن يغير من الأمر شيئا ما دامت نخبة
السـود في البلــد غير قادرة على قيادة زمام المبادرة.
هنالك إشكالية
تظل مطروحة، فغالبية المثقفين السود تنحدر من عائــلات إقطـاعية، وهذا ما قد يفسـر
جزءا من الغموض الذي يكتنف نضالات الضحايا بمختلف الاثنيات السوداء. بالاضافة إلى
ذلك فبعض المثقفيــن يخشون من عواقب إعلان
مواقفهم أمام المجتمع خاصة إذا تطرقوا إلى هذا الموضوع الذي يضعه اقاربهم من ضمن
الطابوهات الاجتماعية!.
6) الاسترقــاق في المجتمع الزنجي، يبقى موجودا بالقرى الإفريقية ولكنه أيضا يصدر بشكل خاص إلى باريس، مارسيليا، ليون بفرنسا؟ حيث تجدهم في الشقق والمنازل، وهنالك تقسيم للعمل فالعبيد يتولون أغراض الطهي والأعمال المنزلية، ما رأيك؟
غني عن القول أن المهاجرين الموريتانيين بفرنسا قاموا بجلب عاداتهم وأساليب حياتهم إلى بلد الإقامة. لهذا السبب، لم ينجحوا في التأقلم مع المجتمع الفرنسي، ومن الوارد التذكير هنا، بأن المنحدرين من الطبقات المستــرقة أصبحت لديهم حسابات خاصة، ويقوم هؤلاء العبيد بدفع رواتبهم في حسابات تدار من قبل أبناء النبلاء "الاقطاعيين" بالقرى الأصلية. لاحقا يستخدم تلك الأموال كما يحلوا لهم بينما يلزم العبيد السابقين الصمت. إن الصناديق التضامنية بالقرى تبقى دائما في أيدي النبلاء. و بها الأموال الوفيرة والكثيرة، على صعيد آخر، فالعمد والبرلمانيين، والشيوخ إنما يمولون حملاتهم الانتخابية انطلاقا من تلك الصناديق، بينما تعجز الطبقات الدنيا عن فتح فمها، ..
نعم أعرف بيوتا بباريس يخدم فيها العبيد
السابقون أسيادهم، فهم يقومون بالتنظيف والطبخ. شخصيا عندما وصلت إلى باريس، كان
علي أن أعمل في المطبخ وأن أتخذ منه بيتا،
بينما يمكنني أن أنام على الأرض أو داخل أروقة وممرات المنزل. ولكــنني
رفضت، وهذا هو السبب الذي دفعني لمغادرة المنطقة الباريسية.
7. قبل أن يلجأ والدك، إلى (أمبيا ساخا) هل كان يخضع للعبودية لدى قبيلة أولادك أمبارك؟ هل أطلعك على روايته بشأن هذه الفترة من حياته؟
لـم يكن
والدي يحب الحديث لنا عن سيده، كنا نعلم أنه يكتم الأمر من أجل علاقته بأسياده،
إلى أن بدأنا نفقد بعض الماشية، عرفنا انه كان يبعث لهم بها، ولكنه كان أبا
ملتزما، ويقظا، ولكنه كان في قرارة نفسه بائسا، في إحدى المرات غادر المنزل أياما
إلى منطقة ما لكي يعمل، ولم يخبرنا وعندما
عاد أحضر معه الهـدايا للأطفال، ولكن لم أكن أفهم لماذا هو راغب في إضفاء طابع
الرضا على سيده؟. في النهاية، علمت أن الأخير كان يمارس مختلف صنوف الابتزاز
والتهديد بالحرمان من الأراضي الخصبة على أقاربنا في (جيكـي) التي هي مسقط رأس والــدي.
وفي الواقع، كان والدي يلتمس الحماية لمجتمعه ولم يكن راغبا في إظهار الخلاف مع
سيده. حاليا، إنقطع بين الإثنين ذلك الحبل.!
8. والدتك،
عاشت العبودية من داخل اثنيتها (الهالبولار)؟ ما هي ابرز مظاهر ذلك وهل أثرت على
حياتك؟
من البين أن أمي،
كانت قد رضخت للممارسات الإستـرقـاقيـة. فهي في مجتمع (الهالبولار) تعتبر من ضمن
"الكووردو" والتي تؤنث "ماكـودو"، هي صفات لأشخاص يجنون عوائد
أعمالهم دون تدخل من أحد، لكنهم يعيشون، أبــدا؛ داخـل هذه الإثنيــة في أسفل
الهرم الاجتماعي الإقطاعي جدا. ومع ذلك يتقول المثقفون، نفاقا وكذبا؛ بأن الرق لا
وجود له في (الهالبولار). ومعلـوم أن الرق ممـارس على نطاق واسع داخل مختلف
المكونات الوطنية، لكـن التفاوت حاصـل في تلك الممارسة المعاشة، وكما أسلفت، لا
يوجد رق أفضل أو أحسن من الآخر، ويتـوجب على كل مكونة تنظيف محيطها قبل أن تذهب
إلى الآخريـن بقصد القيـام بنفس المهمة.
9. عاش والدك، بدوره الرق لدى قبيلة أولاد أمبارك. قبل أن يلجأ هاربا من الرق إلى القرى الهالبولارية في الجنوب الموريتاني، حيث عمل راعيا هنالك، لماذا يغادر القرية الهالبولارية هربا إلى نظيرتها السوننكية؟
كان والدي يعمل راعيا في قرية (التكتاكة صمبا كوما) لدى سيــد والـدتي المدعو "صمبا كوما باري". وكان الاتفاق بينهما يتضمن أن يتقاضى والدي مع نهاية الموسم بقــرة بصفتها أجره، وقد بــدأ في كسب المزيد من الماشية، وعندها ثارت ضده الغيـرة والأنانية، ولتجنب المشاكل قرر الانتقال إلى القرية السوننكية "أمبايا ساخا" خاصة و أن فرصه قد تتعزز هنالك. سيــما وأنه كان يعمل بكد ومثابرة من أجل إعالة أسرته. تعرض للسخــرية من قبــل هؤلاء الذيــن راحوا يتندرون أمامه بأن الحرطاني لا يتحمل البقاء طويلا مع إمــرأة واحدة، وبأنه سيهجر قريبا، لا محالة زوجته وأطفالــه. في البــداية مارس السيد الضغوط على جدي لأمي لكي لا يتم زواج ولكن اللوم والتقريع لم يثني الاثنين عــن البقاء مع بعض.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق