لقد طبعت في الذاكرة تلك القصاصات الاخبارية التي تداولتها
وكالات الانباء العالمية حول مظاهر الجوع والبؤس والحروب في منطقة الشرق الافريقـي
وكانت النفس تترقب المغادرة قبل الوصول طيلة الرحلة التي استغرقت ما يناهز الـــ 24 ســاعة قضيناها في
الجو قبل أن تطـأ أقدامنا في الثالث من
دجمبر "أرض
الإنسان الأول" معلنة عن بداية تحول ومرحلة من إكتشــاف التفرد الإثيوبي،
إنطلاقا من "آديس آبابا". لقـد حملنا الأحباش على أكف الراحة منذ وصولنا
وحتى رحيلنا من هذا البلد الافريقي العريق والمضياف.
*****
منظر من شرفة الفندق |
تبزغ من كبد سماء إثيوبية داكنة شــلالات ضـــوء، تكابد حرق
ذاكرة عمرتها احجيـات البؤس...انه وقت يفصح عن تلال صخرية معلقة في السماء..وعن خيوط من نهار جديد تغمرها آمالنا في أن
"تعــدي" مدة الإقامة على خير،...
على جادة "سيراليـون-ستريت" حطت بنا الرحال داخل فندق
Adam’s Hotel وفيه اقتطعت أنا عبيد ولد إميجن جزءا
من حياتي التي لا تنسى.
الرفاق هم الفقيه المتسيس "باب ولد
معطا"، بالاضافة الى كبار الموظفين في وزارة الصحة الموريتانية وأذكر من
بينهم الدكتور باركالله والدكتور سفيان والدكتورة زهرة فال والدكتور إدومو وغيرهم ممن
سآتي على ذكره كلما حانت سانحة لذلك ضمن هذه المقالات..
لقد طبع التودد استقبال مدير الفنــدق الشاب المليح "junas"؛ كيف لا وهو يفرش أسارير الظافرين بزبناء قدموا اليه من موريتانيا التي لايعرف انها "فقيرة"!؟
ومن هنا بدأت رحلتي مع التفرد و الدهشة،..فحديث الأثيوبيين يتم غالبا بلغتهم الأثيرة "أمهاريك" وهي احدى اللغات السامية و أحيانا تحظى الانجليـزية بالحوارات الشخصية فهي لغة عمل مفضلة، لذلك فقــد مرت على العبد لله أوقات مريرة وهو يخاطب المسيرين بلغة الإشارة و احيانا أخرج حاسبة الــ(calculatrice) عندما يركب "البخل" رقبتي او تختلط علي لغة الصرف فيما بين الدولار و العملة المحلية "بــر".
سامحني الله فقــد كادت تنشب أول معركة أخوض عبابها خارج الحدود عندما سلمني الرجل مفتاح الغرفة متبــوعا بــوصل استلام مبلغ يومي زهيد(60 دولارا) مختوما بالتاريخ التالي : 22/03/2004 ، فما كان من هــرمون "الأدرينالين" الكامن في جسمي سوى إشعال المعركة والهجوم على المسيرين واتهامهم بالتحايل والغش أيضا وفي لحظة معينة اعلنت الفكاك من الصبـر وصرخت في وجوه المضيفين مرددا "هذا الجشع لا ينطلي علي انا الذي جبت اصقاع المعمورة ايها النشال..هل تعتقد أنني لن اكتشفك و أنت تبصم على الوصل بتاريخ مزيف... أوكي بعد أن عرفتك أيها المزور أعد الــي مالي !!؟؟؟"....
الوفد يحصل على شارات المشاركة بعد دفع كل واحد 400 دولار |
كنت أبرح الرجل تعنيفا
إنسـيـاقا وراء توازن نفسي ضيعته رحلة طويلة لم أذق خلالها طعـم الراحة،
وهكذا كنت دْمية بيد الغضب دون ان اتذكر المثل
الشائع "من أطاع غضبه ضيع أدبه"
و.. و... لقد ابصرت في وجه الرجل أن الامر جرى مجرى زوبعة في فنجان ، فقد أبان (Junas) عن انصات منقطع النظير زمحافظة على وداعته الاصيلة، وكأنت انا من يضرب "أخماسا في أســداس"..
وفي لحظة بدأت أتلمس لمن يخرجني من الورطة فقد يكون الرجل مخطئا أو مرتابا وهو يملأ الوريقة، قبل ان تسعفني القدرة الالهية بتدخل احــد المنظميــن الذي عمل على تهــدأة نفوس متشنجة..، ولقد أدركت أنني كنت المخطأ !..
فإثيوبيا لها تقويم لا يخضع لحساب الزمن العالمي فنحن وقتها كنا في العام 2004، ثم
ازداد اشفاقي على نفسي حين طلب مني صاحب الفندق أن أضبط ساعاتي على التــوقيت
الأثيــوبي الخاص "إنها الساعة الثانية عشرة زوالا" عاودتنا التساؤلات
فكيف يكون الأمر ونحن ما نزال ننتظر اكتمال فجر ما زال يباشر نسج خيوط نهار آخر !!.
للقهوة الاثيوبية مذاق مختلف |
إنه يتحدث عن "تقويم اتجينز" الخاص بهذا الـركن من
العالم، توقيت سيكون مناسبا كثيرا للشباب الموريتاني الذي يبدأ يومه بعد نومة
"الصبيحة"..انتابت الدهشة الموريتانيين، وفيما كنت استوضح حول أسرار هذا
التفرد الأثيوبي قال احد الدكاترة متهكما "من آداب الإقامة المريحة في ديــار
الشرك هذه...ان تنســوا المحيط بكم وان تنظموا اعمالكم ثم ناموا طالبين الله ان
يعيدكم بسلام من ارض ابرهة الأشرم (518 للميلاد) الكافر !! " . .
رتب المنظمون كل شيء وطلبوا منا ان نتهيأ على حدود الساعة
الرابعة أي الساعة العاشرة بالتوقيت الدولي. أصبحت عندي ساعتين إحداهما في الهاتف
والأخرى في معصمي بناء على إرشاد junes الذي توطدت علاقتي به شيئا فشيئا حتى صار مدبرا للنزهات معي لقد قال بود مبالغ فيه "إن تقويم الحبشــة يسبق تقويم غيرنا بثمان
سنين والسنة عندنا مكونة من 13 عشرة شهــرا" ثم اخبرني صحفي أثيوبي تلاشى إسمه من الذاكرة أن الشهر الثالث عشرة مكون من ستة أيام وأن أرباب العمل لا يدفعون مقابله أي
مليـم.
*****
منظر لقدح القهوة |
عبأت الحكومة الفيدرالية قدراتها المالية والتنظيمية لرعاية
مؤتمر ينتظر أن يحضره 7000 آلاف مشارك من إفريقيا ومن اصقاع المعمورة، وتحمل رجل
الأعمال الأثيوبي المقيم في السعودية "محمد الحسين العمودي" جزءا كبيرا
من التكاليف والتجهيزات، وخفض الطيران الأثيوبي من أسعار التذاكر حتى 10%.. وهيأ
المنظمون بوسط المدينة قرية صغيرة، يلفها حرس يقظ وفي حالة إنتشار دائم إلى جانب
ذلك أحاط بالمكان المئات من الشباب والمتطوعين المكلفين بالارشاد وتسهيل الوصول
ويمكن التعرف عليهم بسهولة من خلال زيهم الموحد، ومن بين هؤلاء كانت Anene المكلفة بالوفد الموريتاني.
في قاعة الوفود الاعلامية الدولية |
إننا نحضر اكبر مؤتمر دولي حول وباء السيــدا بإفريقيا
وعلاقته بالتنمية في القارة ICASA 2011 in Addis Abeba . إلى جانب العشرات من الصحفيين الذي قدموا من كل انحاء الدنيا
لتغطية الحدث الذي يحضره قادة الدول الافريقية ومناديب عن الحكومات الاوروبية والامريكية
وحدها الحكومة الموريتانية ترسل وحدة علمية من وزارة الصحة والبرنامج الوطني
لمكافحة السيدا.
على اليمين جونيس وفي اليسار الدكتور سفيان |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق