الأربعاء، 30 يناير 2013

مذكرات صحفي موريتاني بأثيوبيا-الحلقة الأولــى




دجمبر 2011: جمهورية اثيوبيا الفيدرالية او جمهورية ኢትዮጵያ بلغة أهلها الجميلة (الأمهرية) هكذا كتبت لي دليلتي الآنسة "Anene" الطالبة في كلية العلوم السياسية والقانون بجامعة أديس أبابا،... دليلتي هذه أبانت طيلة اقامتنا عن أصالة اثيوبية وعراقة متجذرة في خدمة ضيوف وطنها من الغرباء،.. فهـي المترجمة لنا.. والمشرفة على ضبط المواعيد.. وجولات التسوق والتنقل ما بين المؤتمر والفندق..، لــم ألاحظ يوما أن الإبتسامة تفارق محياها الغض.

اثيوبية تدمن الابتسام
قدمت لي نفسها بتواضع وحياء عنــد أول لقاء جمعني بها ثم بادرتني بالقول  :"أهلا بك أنت في وطنــك..، وحتى إن قلت بأنك غريب فلا أحد هنا سيصـدق انك كذلك"!! ..

كانت تشيــر إلى بشـرة فاتحة السمرة تشــد كليـنا إلى دماء حبشيـة ملحـوظة..، إلى ملامح ، وسحنة وكيمياء رجل قادم من موريتانيا الكائنة بغرب إفريقيا البعيــد متحججة بحكمة جدتها التي أسرت إليها يوما بأن أحد أخوالها قد غامر بالذهاب الى هنالك دون عــودة؟؟! وعما ان كنت أعرف عن أوضاع أحفاده شيئا !! ..
قلت لها بأنني هارب إلى الحبشة ضمن هجرة ثالثة للمسلمين فرارا بدينهم، بكرامتهم وبأعراضهم..
ألست الآن في حمايتك أنت حفيدة "أصحمة النجاشي"، ..المسيحية.!!.
لكنها أطلقت ضحكة حائرة و أردفت تكمل تنحي الافتعال جانبا وأنت تهرب إلى الحبشة من ديارك بسبب ماذا هذه المرة؟؟؟.
فبادرتها  "جــور قــومي يستعبدون الأحرار ويمرقون ويعودون الى الدين بمشيئتهم "..!و و و و و طال الحديث حتى اكتمل.


في مطار بولي الدولي
منها عرفت أن أثيوبيا تعني في لغة اهلها "بــلاد الإنسان الأسمـر" وأنني قد أتيـه في مجــالس الأحباش، فلا أكون غريبا ان لم افتح فمي، فالذين يفتحون أفواههم هاهنا يخشى عليهم من مجاهيل بلدان "القرن الإفريقي".. مفضلا أن أحتفظ بالانطباعات لنفسي وبقراءة الطابع لشخصي، قررت أن أبقى أجنبيا يرتــدي "دراعته" الموريتانية. 

وقــد صدقت هي، فيما بعد فعندما جرى تقديم الوفود الاعلامية إلى وزير الإقتصاد والسياحة الإثيوبي ، نظر إلي بفضــول ثم سألني إن كنت أثيــوبيا من حيث الأصــل ! !

مؤتمرات وفعاليات دولية تضفي طابعها الدائم

من مطار بولي الدولي راحت تاكسي "أبابا الزرقاء" الشهيرة تفترش شوارع العاصمة السياسية للقارة الإفريقية...، فيما كانت عينـاي ترقبـان زخـات من مطر يلطف أجـواء فجر يباشر الإنبلاج، وهنالك على مدى البصر ترقب ناظري إطلالة بنايات شاهقة تعتمر واجهاتها –في الغالب- باسماء أشهر الماركات العالمية إلى جانب اللافتات الإشهارية لمسرح "هاجر" وهو أعرق المسارح في المنطقة –هكذا عرفت فيما بعد- بالاضافة إلى مصارف إقليمية ومقار مبعثرة لبعثات أممية ودولية هامة.


هــمــمت، بالحديث مع السائق فقد كانت بشرته ذات الملامح القمحية تناسب معارفي بولاية إينشيــري، وبعبارات إنجليزية رتيبة ومتكسرة هي أقرب إلى ترجمة الموقع المعروف "كوكيل" إستطعت أن أسأله عن وجهتنا، قبل أن يسارع بالرد علي وبلكنة عربية مميزة "تيجي أمعانا لـHOTEL ADAM...أنا محسوبك عوسمان وأنت...؟؟".


ولأن "الزول" قــد خمن قليلا في كوني "ســوداني" قبل ان تتدخل Anene  التي طلبت منه تشغيل مسجله الموسيقي فأبتدرنا بإنتقاء أغنية حبيبة بالفعل إلى نفسي للفناة النوبية جواهر Gawaher:


"الله على دعوتك يا أماه..


أدعيلي..


قابلت أنـاس بياعة


وقابلت الناس خداعة..


بدعوتك يا اماه اتهون جراحي"..


كنت اضطر أحيانا لقطع ثرثــرة السائق "عوسمان" المسترسلة حول خبرته بالمزارات الأثرية والسياحية وبمقبرة الإمبراطور!!،.. لأقوله له بأن قدومي لا يندرج في إطار السيــاحة، وبأنني مجرد فقير قــدم في مهمة عمــل!.


مع كل محطة من ثرثرتنا، تواصــل التاكسي اختـراق وسط العاصمة ممكنة لذاكرة عدستي بالاحتفاظ بصور من كبريات الكنائس الأرثوذكسية ككاتدرائية (الثالوث المقدس) التي كنت أرقب تعــلق المئات من المسيحيات المؤمنات بأسوارها المقدسة بعد أن إمتلأ الداخل عن آخره على ما يبدوا، وكن اجمالا يرتدين الــوشاح الاثيوبي الأبيـض..


في حي (ميركاتوMerkato) كانت الأبصار مشدودة لمسجـد (أنوار) وهو المسجد الكبير كما يعد تحفة معمارية مثيــرة للإعجــاب، وفيه يتداول المسلمون في اثيوبيا اوضاعهم ..وعلى مسار الطريق ابصرت كاميرتي حركة بشرية صاخبــة، خلال ساعات الصبح الأولــى حيث لا تتجــاوز درجات الحــرارة أكثر من 3 أو 11 درجة مئــوية، فالضواحي تنفث في قلب العاصمة كل يوم 3 ملايين من العمال أو المتسوليــن المتكاثرين على طــول الطريق....

وفي المساء تبقى أديس أبابا لنفسها المليونيــن فقط، هــم قاطنــوها.


شيئان آخران أثارا إنتباهي وهما التواجد المكثف للجنود المدججين بالسلاح ولكن رفيقتي أسرعت للقول إننا نوفر الحماية لضيف هام هو "جورج بوش الإبن" وعائلته الذين قدموا لحضور المؤتمر الذي جئت انت من أجل تغطيته، أضافت بعد تنهيدة عجلى انهم يقومون بقضاء إجازة مدتها شهر في الحبشة، وفهمت على طريقتي الأمر.


ومما اثار إنتباهي هو ورشات التشييد والاعمار المــلاحظ على طول الشارع الرئيسي لقــد التقطت عدستي سيدة تكابد العمل الشاق إلى جانب الرجال من عمال البناء  ليسارع السائق الى القول أثيوبيا يا أخي تعني الزهرة الجديدة بلغتنا لأنها تقع فوق 7500 قدم من مستوى البحـر، نحن نشذب زهورنا فقط لكي تتلاءم مع موقعها كعاصمة لإفريقيا.


بعد أقل من عشرين دقيقة، نزلنا في الفندق ذي النجوم الثلاثة ورغم ذلك كنت اراه قمة الفنادق سواء من حيث اطلالة شرفتي على الأحياء الشعبية الكائنة أمامنا وكذلك مقر الإتحاد الإفريقي الذي يشارف على الانتهاء بكلفة مالية قدرت بــ150 مليون دولار قيل أن الصينيين قــد تكرموا بها بعد أن أباد ثــوار بنغازي حلم الحصول على هبات العقيد معمر القذافي...


يتواصــل...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق