الخميس، 27 مارس 2014

جويريـة بقلم/عبيد ولد إميجن الحلقة 1

يتسم الجزء الجنوبي من موريتانيا بأنه يتكون بشكل أساسي من سهول شمامة السَبْخِيَة المُنحدرة أو الرملية المنبسطة ذات الوديان التي تغطي أجزاء منها أشجار الدوم أو "التيدوم"، وعلى الضفة اليمنى من نهر صنهاجة، تنبت أحراش السافانا الكثيفة، كما تنمو أنماط الحياة النهرية.


ويضم هذا الوسط أشكالا مختلفة من الحيوانات البرية، فتجد فيها شتى أنواع الحيوانات المُفترسة كالفهد وأبن آوى وغير المُفترسة كالظباء والغزلان، إلـى جـانب الحشرات والنباتات، وفي أطرافها الغابات الكثيفة التي تعج بالحياة حيث ينشط التنين البري و القردة و الخنازير البرية..، كما يعمــر الإنسان الأرض سكنا وحراثة ومنها تستخرج أنواع المنتجات الزراعية التي تشتهر بها المنطقة كالأرز والدخن والذرة والقمح وفي الأطراف العليا تتشكل الأدغال من أشجار الأكاسيا أو السنط و القتاد أو أيروار و سنابل البشام.."


لـم يكن هنالك حد لفضولي..، وأنا أتابع بشغف مزيـدا من المعلومات عن الأدغال النهرية، والتي تكاد تضفي مؤنستي -ذات الأدب الجم- عليها طابعها الشخصي..!  


جويرية منت لحبوس، من مواليد، 03 أغسطس عام 1895 .. في سهوت الماء (الركيز)، نشأت يتيمة الأب في كنف أمها تَنْوَازَلْ منت هابو، ثـم عاشت حياة عسيرة بحاضرة "أَخْرُوفَه" ومنها إنتقلت إلى دَڭانَـة بالعــدوة اليسرى من النهر، لتقضي نحبها فــي الـ10 من فبرايـر عام 1959...


أطبقت شفتاها الغليظتان بحزم على غليون تبـغ،..و واصلت تنفث منه دخانا كثيفا،..حـال بيني معها حتى إعتدلت في قعدتها على ردفيها الكبيرين.. وبعصبية بادية إنتزعت من على المنضدة الخشبية، الصغيرة شبـه الباليـة، ... صـورا تالفة وممزقـة الأطراف والورق؛.. تماما كما تفعل شقوق الأرض بسباخ "شمامة"، ومن بينها برزت إلى العين بقايا لصورة سيــدة سمراء، كانت الأيام قد تكفلت بتبديد تقاسيم وجهها القمحي، وبدت الصورة - بالنسبة لي-  أقرب ما تكون إلى الصور المثبتة في صدر عملة ورقيـة قديمة.


ذات البشرة القمحية الناعمة، لها وجه مُدَوَرٌ، مشحــون، .. تتوسطه عينان زائغتان، وعلى خدها الأيسـر شامـة بلهاء، .. وبدت كما هي في الصورة إمرأة تلتحف دون إحتشام ثوبا أسـود يتدلى من على كتفيها العريضين، وبشكل يسمـح بإظهار مفاتن صـدرها الجامحة، دون غطاء على الرأس مما سمح بإظهر شعرها الأسود المتجعد والفاحم.،.. وبينما أرى – من بالصورة- تجلس القرفصاء وتسند ظهرها على جذع شجرة مـن السنط،.. كان الأمـر، بالنسبة لـي كمن يفتـش وسط تضاريس صفحة نهرية عبر الليل، أو كمن يفتش بين ثنايا قصيدة للشاعر ( لانكستون هيوجز) تصيح فيها بطلة من محظياته الزنجيات  "أنا التي تكدح كالعبيد"..!، 
وقلت لصاحبتي "أ هـذه جويرية ؟".
أومأت بالإيجاب "أي نعم!.. سأرجع إلى ذاكرتي لأحكي لك كل شيء.. فهي قصة طويلة،.. والأكيد أن بعض التفاصيل لـن تهمك كثيرا.." وأستطردت في الكلام:

"(في الرابـع والعشرين من ينايـر عام 1903، سلمت بلاد الڱبلة نفسها للرجل الأوروبي القـوي المسييه "كزافييه كابولاني"، وتهيأ للإحتفاء بمقـدمه، علية القوم و أرباب النعم والأعيان إلـى جانب جمهور العـوام في بلـدة "أَخْرُفَة"....، "أَخْرُفَة" حيث أناخت نخبـة مجتمع شَمَامَة جمالها، واتخــذت مـن المنازل الطيـنية، التي أقامتها مفارز المستكشفون الفرنسون مقرا للإقامـة والإنتظار!.

وفـي البلدة ضــرب البـدو خيمة الـوبر؛ فأقـام بها السيــد "النبيـل" كزافييه كبولاني،.. المُشاع ورعه وفي ذلك، يقـول أحـدهم مؤرخا للحدث ورافضا له :
فِي عَامِ شَاكِسٍ عَلَى البِيظَانِ     قَدْ طَلَعَ الكَافِرُ كَبُّلاَنِي
حَتَّى أتَى اخْرُوفَه بالنَّصَارَى    ومَوْطِنٌ لَهُمْ هُنَاَك صَارَا
وَقَدْ بَنَوْا بِهَا دِيَارَ الطِّينِ         يَخَافُهَا كُلُّ فَتًى فَطِينِ

ثـم أنشأت تقول؛ "كلا.. لم يحضـر لها رافض واحـد، فتلك القصيـدة إنما كتبها القاضي الراحل محمذن ولد محمد فال، ليؤرخ بها للحدث.. والحقيقة أن مشهــد الاحتفاء بمقدم "النصارى" إنما يستحضر بيعة الخليفة العباسي هارون الرشيد...

فقد وقـف، أحـد المشايـخ وخطب في الناس مرحبا بصاحب (الفضائل والمكارم، وحافـظ كتاب الله) ثم تقـدم إليه وشـد على يديـه مبايعا، ثـم تبعــه آخــر، وأردف يقول (بلادنا، ليست سوى واحـة يعشش ويفرخ فيها الأبالسـة، وهي مترامية الأطراف، متباعدة الحواضـر، وكانت قبلكم معرضـة للفتن ولسطوة قطاع الطرق، حتى تسمت ببلاد "السيبة"..!!، إنها تحتاج إلــى قيادتكم الحكيمة والحاسمة، والتي من شأنها فرض الأمن والإستقـرار ،.. والآن فإنكم –وأشار بيده إلى كابولاني- أهلا لهذه المهمة الصعبة، بفعل ما تتوفرون عليه من درايـة بالعلوم الشرعية، وبما مكنكم "مولانا" من قوة، وهيبة و وسائل لا تعد أو تحصى في أرض "البيظان").

ولما أكمــل نهض المسييه "كزافييه كابولاني" واقفا، ثـم رافقـه كالظل الترجمان محمدن ول ابن المقداد المعروف ب "دودُ سك"، الـذي أشار بإبهامه إلى الوجهاء أن قفـوا، ثم دنا خطيب "البيظان" الفـذ من صنوه "النصراني"، وعانقه بفرح وحرارة، وضربت الدفوف على أسماع رجال القائل وأمــراء الترارزة، بعدما كانت حكرا عليهم دون غيرهم من العالمين..،  وغمزت تَنْوَازَلْ منت هابو الطبـل، سبـع غمزات، وأطلقت المرأة على إثر ذلك ثلاث زغرداة طويلـة، تعبيرا عن غبطة الدهماء، برضا السلطان الجديد على ما لقيه مـن حسن الوفادة .. وضج الجــو بالأهازيج والغناء، قبل أن تنشـد منت هابو بصوتها الشجي:
يالمولة.. يالواحد فالذات
الله أتعمر أفرانسة
ثـم، غنت أيضا ...
و يا سعد أل أمدل لخزامه
واعد كبولاني أف شمامة    


قضت جُويرية، ساعات وهـي ترقب بقلق فنون الإمتنان البادية في عيون المحيطين بها،... استمتعت الطفلة ذات السبع سنين بالأهازيج المرافقة للعب الرجال بـ"الدبوس" والمهارات القتاليـة التي يجيدها هؤلاء على شكل فنون وألعاب...، ورسمت على وجهها النحيل إبتسامة صامتة..وهـي تتابع بإنصات معلم "اللًـوْحِ" وهـو يتصبب عرقا، كلما إرتبك في تلاوته التي بدت لها مرهقة عليه، حتى وصـل إلـى الآية الكريمة "وإن جنحوا للسلم فأجنح لها". ثـم .،..

-----------
ولد الشاعر الأميركي الأسود لانكستون هيوجز في الأول من شباط عام 1902 وتوفي
في مارس 1967
هو شاعر وناشط اجتماعي وروائي وكاتب مسرحي وكاتب عمود في الصحف وهو احد أقدم المبدعين في الفن الأدبي المسمى ( شعر الجاز ) وقد عرف أكثر في عمله خلال ما عرف بــ( نهضة هارلم ) وأشهر ما كتب في تلك الفترة ( The negro was in vogue ( الزنجي في الرواج ) والتي أعيدت كتابتها نثرا لتسمى ( هارلم في الرواج ).

وهذه قصيدته مترجمة عن اللغة الانجليزية

الأم الزنجية – قصيدة للشاعر ألأميركي ( لانكستون هيوجز )

الأم الزنجية

أنا عائدة هذا اليوم يا أولادي ,
لأروي لكم قصة ذلك الدرب الطويل ’
الذي كان علي أن أسلكه وأن اعرفه ,
من أجل أن يحيا عنصرنا وينمو ,
انظروا إلى وجهي – اسود كالليل ,
لكنه يشع كالشمس مع ضوء الحب الحقيقي ,
أنا الفتاة السوداء التي عبرت البحر الأحمر .
حاملة في جسدي بذرة الحرية ,
أنا المرأة التي كدحت في الحقول ,
تنقل القطن و الغلة للمحصول ,
أنا التي تكدح كالعبيد ,
تضرب وتهان لأجل العمل الذي تقدمه ,
ابتاعوا أطفالي مني وكذلك ابتاعوا زوجي ,
لا أمان ’ لا حب ولا احترام استحققته ,

ثلاث مائة سنة في عمق الجنوب ,
لكن الرب وضع في فمي أغنية وصلاة ,
وضع الرب حلما كالفولاذ في روحي ,
والآن ومن خلال أطفالي أصل الهدف .
الآن , ومن خلال أولادي و الشباب والأحرار ,
أدركت ما العمل المبارك عندي .
لم استطع القراءة والكتابة ذلك الحين ,
لم يكن لدي أي شيء عند عودتي في الليل ,
أحيانا يمتلأ الوادي بالدموع ,
لكنني واصلت المشي جاهدة خلال سنوات العزلة ,
أحيانا يكون الدرب حارا بفعل الشمس ,
لكن علي أن استمر ليتم عملي ,
يجب أن استمر , لا توقف عندي ’
أنا بذرة الحرية القادمة .

أنعشت الحلم الذي لا يخمده شيء ,
عميقا في صدري --- أنا الأم الزنجية .
كان لدي الحلم حينها , لكن الآن ومن خلالكم ,
يا زنوج هذا اليوم , ستصبح أحلامي حقيقة ’
أنتم جميعا أيها الأطفال السود في العالم هناك ,
تذكروا عرقي وألمي وخيبتي ,
تذكروا سنواتي المثقلة بالحزن ,
واصنعوا من تلك السنين مشعلا للغد ,
اجعلوا من جهدي طريقا للنور ,
عبر الظلام ’ عبر الجهل وعبر الليل ,
أرفعوا رايتي عاليا عن الغبار ,
قفوا كالرجال ساندين ثقتي ,
آمنوا بالحق , ولا تدعوا أحدا يدفعكم للخلف ,
تذكروا سوط ودرب النخاس .
وتذكروا كيف أن الأقوياء بالصراع وبالنزاع ,
لا يزالون يسدوا الطريق عليكم وينكرون عليكم الحياة .
لكن تقدموا دائما للأمام واكسروا القيود ,
وانظروا دائما إلى الأعلى – إلى الشمس والنجوم .
يا أولادي السود هل لأحلامي وصلواتي ,
أن تدفعكم والى الأبد نحو السلم العظيم ’
لأني سأكون معكم حتى لا يجرأ أخ أبيض ,
أن يحط من قدر المرأة الزنجية .
//////


القصيدة باللغة الإنكليزية


The Negro Mother
Written by: Langston Hughes
Children, I come back today
To tell you a story of the long dark way
That I had to climb, that I had to know
In order that the race might live and grow.
Look at my face -- dark as the night --
Yet shining like the sun with love s true light.
I am the dark girl who crossed the red sea
Carrying in my body the seed of the free.
I am the woman who worked in the field
Bringing the cotton and the corn to yield.
I am the one who labored as a slave,
Beaten and mistreated for the work that I gave --
Children sold away from me, I m husband sold, too.
No safety , no love, no respect was I due.

Three hundred years in the deepest South:
But God put a song and a prayer in my mouth .
God put a dream like steel in my soul.
Now, through my children, I m reaching the goal.

Now, through my children, young and free,
I realized the blessing deed to me.
I couldn t read then. I couldn t write.
I had nothing, back there in the night.
Sometimes, the valley was filled with tears,
But I kept trudging on through the lonely years.
Sometimes, the road was hot with the sun,
But I had to keep on till my work was done:
I had to keep on! No stopping for me --
I was the seed of the coming Free.
I nourished the dream that nothing could smother
Deep in my breast -- the Negro mother.
I had only hope then , but now through you,
Dark ones of today, my dreams must come true:
All you dark children in the world out there,
Remember my sweat, my pain, my despair.
Remember my years, heavy with sorrow --
And make of those years a torch for tomorrow.
Make of my pass a road to the light
Out of the darkness, the ignorance, the night.
Lift high my banner out of the dust.
Stand like free men supporting my trust.
Believe in the right, let none push you back.
Remember the whip and the slaver s track.
Remember how the strong in struggle and strife
Still bar you the way, and deny you life --
But march ever forward, breaking down bars.
Look ever upward at the sun and the stars.
Oh, my dark children, may my dreams and my prayers
Impel you forever up the great stairs --
For I will be with you till no white brother
Dares keep down the children of the Negro Mother.

ترجمها / جميل عزيز محمد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق