ديكو هنون: هذه الفجوة التي تتحدث عنها، نمت بشكل طوعي منذ تأسيس الدولة
الموريتانية. فالسود من الزنوج هم أول المتعلمين في هذا البلد، ولكنهم لم يساعدوا أو
يسعوا من اجل مساعدة لحــراطين على الإنعتــاق. لقد سعوا دائما وراء السلطة دون أن
يهتموا بحل مشاكل لحراطين. وكانوا يحتلون مناصب إدارية سامية وكانت لديهم سلطة إتخاذ
القرارات قبل أحداث 1987-1989. تتذكرون ميثاق التسعة عشر الصادر في فبراير 1966، لقد نددوا حينها بعنصرية الدولة لكنهم لم يعلقوا
على العبودية، وكان العنصر العربي-البربري أكثر ذكاء، فعندما تمعن النظر في الأعمال الفكرية التي أصدرتها
النخبة الزنجية بموريتانيا، ستفهم لا محالة لماذا هذه الفجوة موجودة؟ إنها أقلية إقطاعية
مهمومة بالوصول إلــى السلطة التي هي بين أيدي المجموعة العربية-البربرية، بينما تواصل
الأخيرة مخططات التطهير العرقي مستخدمة لتحقيق ذلك لحراطين. صحيح أن المكونتين الإقطاعيتين
تبقيان في تحالف دائم من أجل حرمان بقية السكان من المشاركة في إدارة الحكم. و صحيح
كذلك أن العقليات قد بدأت تتغير بعد مضي 52 عاما من حكم البلد.
11. الإقطاع البيظاني
ونظيره الزنجي، يظلان في "ترابط تنافسي"، على حد تعبير محمدو عبدول. هذا
التضامن بين الإقطاعيات، يشكل عقبــة جدية بالنسبة لضحــايا الـرق والطبقية. هل تتفق
تلك المظاهر مع الديمقراطية؟
ديكو هنون: كلا، أنا لا أقول بإمكانية توافق العبودية والطبقية مع المبادئ
الديمقراطية. هاتين الظاهرتين هما النقيض الطبيعي للديمقراطية. ولا يمكنهما أن ينتجا
سوى مزيد الأنظمة الاستبدادية والديكتاتورية، كما تتعارضان في النهاية مع كل أشكال
الحرية والمساواة.
12. صَدَرَ البيظــان
إلى فرنسا أيضا العبودية، حيث يساهم الجميع في نظام تعاضدي الهدف منه هو الاحتياط لبعض
مشاكل الحياة في الغربة، ومن المؤمل أن تستخدم تلك التبرعات في أعمال إنسانية كنقل
وإعادة جثامين المتوفين الموريتانيين بفرنسا إلى وطنهم، فــي حين أن المستفيد من
ذلك غالبا هم البيظان فقط مع أن الأموال في أكثـرها تأتي من جيوب لحراطين.، وعلى سبيل
الذكر هنالك صندوق الجالية بباريس، فبماذا تصنف هذا الشكل من الاستغلال؟
ديكو هنون: هذا يرقى إلى مستوى الفضيحة، وفي جميع الحالات فالموريتانيين
يصدرون العبودية ضمن أشيائهم الأخرى، وتفعل ذلك الشخصيات الديبلوماسية والمهاجرين بدورهم.
كما أن البيظان يستغلون جهل لحراطين إلى آخر ما يكون. ولا يستسيغون بسهولة التخلي عن
فريستهم القديمة.وبالتالي فملاك العبيد لا يزالون يمارسون الضغوط على الآباء والأمهات
اللاتي بقين في الداخل لكي يبقى عبيد الخارج خاضعيــن. إنه أحد الأسباب التي تطيل من
أمد التهميش والاستغلال الذي لن نتغلب عليه دون ثورة إنعتـاق شعبية.
13. هنالك من يتهمك
بكونك عنصري ومتطرف وبأنك تتغاضى عن العبودية
لدى المجموعات الزنجية، كما أن الزنوج يحملون لحراطين أجزاء من المسؤولية حول ما حاق
بهم. فبـماذا تجيــب؟
ديكو هنون: إتهامات غرمائي هذه لا أساس لها وهي تساوي عندي عنصر الصفر.
لهـم الحق في التذمر، طالما هم لا يقدرون على الإتيــان بحجج قوية ضد الطرح الذي أتقدم
به. ومن الصعوبة بمكان أن أضيع وقتي في تفنيد أكاذيب المشهرين كلهم. لقد حاول فعلا
بعض الزنوج الراغبيـن في دعم إنقلاب الجنرال عزيز
تحميل لحراطين جزءا من المسؤولية. و أنا أجبت حينها دون تردد. ولسوء الحظ فهم
يخرجون خطابا ممزوجا بالكراهية حين يتصورون أن لحراطين لهم ضلع في أحداث 1989 ضد الهالبولار.
والغريب أنهم ينظرون إلى الجنرال باعتباره الرجل النظيف. هم يمارسون الخديعة حتى وهو
إلى جانب المعارضة، وكما ترون فكل ذلك يمنحني قوة إضافية. للحفاظ على أفكاري ومواقفي
الراسخة. هم يتصـورون في ولد عبد العزيز مخلصا، وأنا اراه العار.
ومع ذلك فأنا لست مثاليا، ولكـن على الأقل أنا قادر على تحليل هذا الوضـع
والخروج منه بحصيلة ترضي الصالح العام. كما أنني لم أسعى قط للحصول على وظيفة و لا
أريدها، وهذا ما يمنحني حصافة ورؤية مستقلتين، و لا أستسيغ القيام بالأشياء من منتصفها
ولست سياسيا أعرض للبيع . .، إن البيظـان يمارسون غواية دور الضحية دائما حتى وهم يرمون
جيرانهم بالحجارة. وحيث يعيب البعض مـن هـؤلاء
علينا معالجة العبودية في مجموعة واحدة دون أن تطال أقدامنا باقي المجتمعات. ويجب أن
أوضح و أكرر بأن لحراطيـن لم يكونوا عبيدا للزنوج ولكنهم كانوا عبيدا للبيظان، وهــذا هــو السبــب في الهجوم الذي أتعرض له دائما
من قبل هؤلاء.
14. موريتانيا كانت
قد وقعت وصادقت على معظم الإتفاقيات التي تحظر الممارسات الاسترقاقية. كما أصدرت عديد
القوانيــن الهادفة إلى إبطال العبودية. فماذا بعد ذلك يؤكد وجود العبودية؟
ديكو هنون: الذي يؤكد وجود العبودية هو إنعــدام الإرادة الرسمية للسلطات
الموريتانية لمحـاربة هذه الآفـة. أما الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الموقعة فإن موريتانيا
لم تكن لتلتزم بها أبدا. هذا أسلوب مراوغ تخدع بموجبه موريتانيا المجتمع الدولي، قانونيــا،
هي تسابق إلى اعتماد تلك الاتفاقيات كمظاهر ولكــن الواقع يكمن في أنها ترفض تطبيــق
القـانون. وبالمقابل فهي تطبق القانون كما لو أنه ينظم الإدانات ضد نشطــاء حقوق الإنسان
عموما أو هو القاعدة الأساسية التي تتيح
لها إلقـاء السود عموما في السجون. وفي جميــع الحالات فالمجموعة العربية-البربرية
تحتكر التمتع بالمزايا والحقوق دون غيرها وهذا واضح.
15. تعرضت دراستك
للانقطاع، بسبب وقف المنحة الدراسيــة التي كنت تتلقاها. تكلم لنا عن العراقيل والصعوبات
التي يتعرض لها الطلاب لحراطين بصفة عامة خلال تلك الفتــرة؟
ديكو هنون: في الواقع، أنا تركت الدراسة بعد تعليق منحتي. أما الطلاب
من لحراطين فهم يعيشون الجحيم، دون أن تتوفر لهم الوسائل أو يتلقون الدعم أو المساعدة
من الدولة. بينما الدولة هي التي تمكن المجموعة العربية-البربرية من الوسائل الاقتصادية
والسياسية، كما تشكل الجالية الزنجية بأوروبا و الولايات المتحدة مصدر دعم طبيعي للزنوج،
فقط لحراطيـن لا بــواكي لهم... والكــل يعرف أن الزنوج استفادوا كثيرا من المدرسة
الاستعمارية الفرنسية، بينما نحن لا..،
لقد تم إرسال بعض العبيد لدراسة اللغة الفرنسية من قبل أسيادهم. فـفي
تلك الحقبة كان الأسياد يشيطنون كل من يتحدث باللغة الفرنسية، ويعدونه بمصير إلهي بائس
في النار، كانوا يفضلون إرسال عبيدهم هكذا إلى النار، عندما أدركــوا خطأهـم، سارعوا
إلى إيقاف تمدرس أبناء لحراطين. واغتنم الفرصـة لأشيـد بالمناضل البنيني (الـويس هونكــارين)،
الذي لعب دورا رئيسيا في إدانة العبودية بموريتانيا. فكتاباته باتت مصدر الهام لنا
جميعا، لقد كرس كتاباته لتبيان ووصف كابوس وجحيم الاستعباد لدى البيظــان.
16. أنت عملت فــي
وزارة الشؤون الخارجية والتعاون بموريتانيا. ما هو الانطباع الذي بقي عالقا في ذاكرتك
إزاء هذا القطاع الوزاري؟
ديكو هنون: لقد أمضيت سنتين في تلك الوزارة الكبيرة في الجمهورية
"الإسلامية" الموريتانية بدون راتب، كنت أعيش على الهدايا والعطايا التي
يخصني بها الديبلوماسيون خلال قضائهم لإجازات العمل بموريتانيا، أو عندما يفقد أحدهم
بشكل نهائـي وظيفته، ويبدأ في التفــرغ لتنمية
المواشي، التي يكلف عبيده بتنميتها، كما يكلف غيرهم بتشييد الفيللات الفخمة بأحياء
تفرغ زينة، وطبعا يتم كل ذلك من ميزانية السفارة، وكان بعض الديبلوماسييــن يكتفي بالمغادرة
إلى مكان عمله لكي يسحب الأموال ويعود ليمارس حياة هانئة بانـواكشوط، الغريب، أن المفتشين
الذين تكلفهم الدولة بمهام المراقبة المالية يتحرجون من الدخول في الإبلاغ عن التجاوزات
بناء على عدم رغبتهم في الدخول في إشكالات قبلية،
وهنالك سفراء غير ذلك. وهذا هـو حال السفير محمد يحيى ولد سيرى؛ الذي اتهم زورا
بالاختلاس في حين أنه كان يعاقب لأنه رفض توظيف أحد الأشخاص من أقارب الأمين العام
خطري ولد جدو.
لقد تعامل مع العديد من قضايا الميراث الحساسة في غينيا بيساو، حيث كانت
القبائل العربية-البربرية تعمل من أجل الاستيلاء على ممتلكات المتوفين من شريحة لحراطين
وكانت حجة هؤلاء الوحيدة أنهم الورثة الشرعيين للمتوفى. وكانت السلطات تحاول المغالطة
في ذلك من خلال المدير الإداري والمالي للوزارة بالتواطؤ مع الأمين العام خطري ولد
جدو. وكل الموظفين والديبلوماسيين يشهدون على ذلك، كما أنه لا يخفى على أحد.
و قد أوهمني هؤلاء أن ملفي الشخصي أحيـل إلـى إدارة ميزانية الدولة، و
أنه علي الانتظار لأن ذلك قد يأخذ بعض الوقت. وعنـدما لم ألتـقى شيئا عن تلك السنين،
بدأت في البحث عن وظيفة أخرى بشكل غير معلن،
هذا هو السبب في مغادرتي لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون، كما علمت بعدها أن
المسئولين لم يكونوا سعداء لذلك التصرف.
هناك أيضا، تعــرضت لمظاهر الاسترقاق والدونية، أولا الاستعباد التقليدي
الذي يورثه المجتمع الموريتاني للمرء عن طريق الأم، وثانيا الدونية في الإدارة. وفي
الواقع، هما معا.
أجرى
المقابلة :
سعادة
السفير محمد يحي ولد سيرى (سفير موريتاني سابق وكان قد فر من نظام ولد الطائع وبقي
في منفاه الاختياري بفرنسا، وهو أحد مؤسسي حركة الحر الأوائل)+ فاطمة منت محمذن
(كاتبة)
كلام فارغ فيه كثير من المغالطات والحقدضد البيض العرب
ردحذف